25 مارس 2024

مساجد فرنسا.. دور عبادة ومراكز تثقيف وتعليم تشهد إقبالا كبيرا في شهر رمضان

عربية ودولية
  • QNA Images

باريس في 25 مارس /قنا/ تشهد مساجد فرنسا التاريخية في شهر رمضان المبارك إقبالا منقطع النظير من المصلين من أبناء الجاليات العربية الإسلامية، ومن المسلمين الفرنسيين، في ترجمة واضحة لتمسكهم بدينهم الحنيف وهويتهم وأصولهم.

وعلى غرار البلدان العربية الإسلامية، تتزين بيوت الله في فرنسا ابتهاجا بمقدم الشهر الفضيل، وتشع الأنوار الإيمانية الروحانية فيها، وتتميز المساجد التاريخية الكبرى التي تنتشر في أغلب المدن والأقاليم الفرنسية بأجواء خاصة.

وحسب أرقام المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية "سي إف سي إم" (CFCM)، يوجد 2500 مسجد في فرنسا، بها نحو 400 إمام. أما العاصمة باريس وضواحيها، فيوجد فيها 29 مسجدا و44 قاعة صلاة، بينما تقدر آخر الأرقام الرسمية للسلطات الفرنسية وجود حوالي 5 ملايين مسلم في فرنسا.

غير أن معظم دور العبادة هذه ليست مساجد بالمعنى المعماري التقليدي للكلمة؛ حيث يوجد فقط في فرنسا 90 مسجدا بمئذنة، بينما البقية عبارة على قاعات صلاة ومراكز ثقافية بسيطة، وأماكن يتم تجهيزها لأداء الصلوات.

ويعد مسجد باريس الكبير من أعرق وأكبر المساجد في فرنسا وأوروبا، وقد شيد من قبل الدولة الفرنسية بين عامي 1922 و1926؛ تكريما للجنود المسلمين الذين دافعوا عن فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918).

كما تقف عدة مساجد عريقة أخرى شاهدة على هذا الزخم الكبير المتزايد للمسلمين والدين الإسلامي في فرنسا، على غرار مسجد إيفري كوركورون الكبير شمالي البلاد، ومسجد السلام الكبير بنانت "غرب"، ومسجد ليون الكبير في جنوب شرق البلاد، والجامع الكبير في سترازبورغ شمال شرق البلاد، ومسجد بنتن الكبير بالضاحية الباريسية سان دوني.

وقال شمس الدين حفيظ، عميد مسجد باريس الكبير، إن المؤسسة الدينية الثقافية العريقة احتفلت منذ عام بالذكرى المئوية لإنشاء المسجد الكبير في باريس، لافتا إلى أن ذلك يعد مناسبة جيدة للتذكير بأن الإسلام والمسلمين جزء من تاريخ فرنسا وأوروبا، وبالتالي من حاضرهم ومستقبلهم، خاصة في السياق الحالي، حيث تريد أيديولوجيات وحركات سياسية معينة تحدي هذا الواقع، وهو ما يجعل هذا المسجد يدافع عن مواطنة المسلمين ضد صعود الكراهية والتمييز.

وقال في حديث لوكالة الأنباء القطرية "قنا": "مسجد باريس الكبير بتاريخه وهندسته المعمارية وموقعه في قلب العاصمة الفرنسية، له رمزية كبيرة. إنه يبين لأوروبا كلها أن الإسلام دين نوراني أنار الإنسانية وجلب لها أسمى المعاني الروحية والثقافية. نحن نبذل كل ما في وسعنا لتغيير الصورة النمطية عن الإسلام في أوروبا من خلال تعزيز القيم الأساسية لديننا، وإثبات أنها تتناغم بشكل جيد للغاية مع القارة الأوروبية".

ونوه بأن المسجد الكبير في باريس يلعب دورا مهما في نشر الإسلام والدعوة إلى السلام والأخلاق والأخوة وتنظيم العبادة في فرنسا وأوروبا، لافتا في هذا الصدد إلى أنه تم إنشاء المجلس التنسيقي "آمال"، لتحالف المساجد والهيئات والشخصيات الإسلامية في أوروبا في أكتوبر 2023، والذي يجمع المساجد الكبرى والشخصيات الدينية الكبرى في العديد من الدول الأوروبية على غرار ألمانيا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وإسبانيا وبالطبع فرنسا.

وخلص حفيظ في ختام حديثه الخاص لـ "قنا" إلى أن مهمة مسجد باريس الكبير كانت دائما موجهة نحو المعرفة والثقافة والتضامن، وبمناسبة شهر رمضان المبارك، يشهد المسجد إقامة صلاة التراويح، والاحتفال بليلة القدر، وأعمالا تهدف إلى زيادة الوعي حول الإسلام والمسلمين وما يجلبونه من خير للمجتمع، فضلا على الأعمال الخيرية التي يرعاها ويقوم بها المسجد؛ مثل توزيع ألفين إلى ثلاثة آلاف وجبة إفطار كل مساء للفقراء في عدة مدن فرنسية.

من جانبه، أشار خليل مرون عميد مسجد إيفري كوركورون، إلى التاريخ العريق لهذا المسجد والشخصيات الدينية والعلمية المرموقة، التي مرت عليه منذ وضع حجر أساسه إلى تطورها وتوسع مكانتها.

وقال في حديث لوكالة الأنباء القطرية "قنا": إن "حفل وضع حجر الأساس لهذا المسجد أقيم في أكتوبر عام 1984، وقد حضره فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، يرحمه الله، بالإضافة إلى العديد من الشخصيات الدينية، والثقافية، والعربية والإسلامية".

ونوه إلى أنه يتوافد على هذا المسجد الكثير من المصلين من باريس ومن بقية المدن المجاورة، خاصة في شهر رمضان رغم أنه ليس في حي شعبي، ورغم أن قاعة الصلاة تتسع لـ 5 آلاف شخص، فإن عدد المصلين يتضاعف في الشهر الفضيل، خاصة في صلاة التراويح وفي العشر الأواخر.

ولفت خليل مرون إلى أن المركز الإسلامي إيفري كوركورون يشرف على اتحاد مساجد فرنسا الذي ينضوي تحته حوالي 900 جمعية ومسجد، كما أن أنشطة المسجد الدينية والعلمية تتكثف في الشهر الفضيل، من خلال المحاضرات والملتقيات والدروس التي تتناول أصول الفقه وأصول الإسلام، وتتعمق في أركانه ومبادئه، وتعرف الناشئة وشباب الجاليات العربية الإسلامية المولودة في فرنسا بهذا الدين الحنيف، وتبسط له تعاليمه حتى يفهمها ويستوعبها ويحبها أكثر.

وذكر مرون أن دعاة وشخصيات دينية مؤثرة تزور المسجد وتلقي المحاضرات فيه خلال شهر الرحمة والبركة، وهذا ما يزيد الإقبال على المسجد خاصة من فئة الشباب.

وأوضح أن الكثير من الناس والمختصين لا يعرفون أن مسجد إيفري كوركورون يملك شهادة من وزارة الثقافة الفرنسية منذ تأسيسه، بكونه يمثل أحد معالم التراث الثقافي الوطني الفرنسي، وهذه ميزة كبيرة لا تملكها أغلب مساجد فرنسا، تزيده وتعطيه قيمة ثقافية ودينية وعلمية كبيرة.

وختم عميد مسجد إيفري كوركورون حديثه لـ "قنا" منوها بأن مسجد إيفري كوركورون منارة علمية دينية كبيرة، وقنطرة حضارية مهمة بين الأديان والثقافات في فرنسا وأوروبا، تجمع حولها المؤمنين والمسلمين ومحبي الخير من كل الجنسيات الموجودة في البلاد.

وبالعودة إلى مسجد باريس الكبير الذي وضع الحجر الأساس له في 19 أكتوبر 1922، فخلال أربع سنوات ساهم 450 حرفيا وفنانا في بناء هذا المعلم الديني والتحفة الفنية المعمارية على الطراز الأندلسي المغاربي، وتم تدشين وافتتاح المسجد في 15 يوليو 1926 بحضور الرئيس الفرنسي أنداك غاستون دوميرغي.

ومنذ ذلك التاريخ أقام مسجد باريس الكبير جسرا للتواصل بين فرنسا والإسلام، وأعلن اعتراف فرنسا بمئات الآلاف من المسلمين الذين جاؤوا للدفاع عنها من مختلف البلدان الإسلامية وضحوا بحياتهم خلال الحرب العالمية الأولى من أجلها.

يقع مسجد باريس الكبير في قلب الدائرة الخامسة الباريسية، على بعد خطوات من مؤسسات علمية وجامعية وثقافية وسياسية مرموقة مثل: جامعة السوربون العريقة، ومتحف التاريخ الطبيعي، ومعهد العالم العربي، ومجلس الشيوخ الفرنسي، وهو ما يعطيه أهمية مضاعفة، ويحمله رمزية كبيرة في التعريف بالدين الإسلامي والحضارة العربية الإسلامية في فرنسا.

وقد شيد مسجد باريس الكبير على مساحة 7500 متر مربع في الحي اللاتيني، ويمتاز بتصميم معماري رائع على الطراز الأندلسي المغاربي، وتتميز صومعته ومئذنته، التي ترتفع إلى 33 مترا، بزخرفتها ونقوشها المتطابقة مع مئذنة جامع الزيتونة العريق في تونس.

وعند مدخله توجد حديقة جميلة تسر الناظرين تبلغ مساحتها 3500 متر مربع، تتوسطها مجموعة من نوافير المياه، وهي تذكر بحدائق قصر الحمراء في غرناطة، كما يحتوي المسجد على فناء محاط بأروقة منحوتة وأعمدة رخامية نقشت عليها آيات قرآنية وأسماء الله الحسنى.

أما غرفة الصلاة فقد تفنن في نقوشها وزخرفها البديع الحرفيون الذين استقدموا آنذاك من المغرب العربي خصيصا لهذه المهمة الفنية المعمارية البديعة، في حين كان محراب المسجد هدية من ملك مصر فؤاد الأول.

وتتوسط قاعة الصلاة ثريا ضخمة تتدلى من قبة مزخرفة بالأحرف العربية الكوفية، وآيات قرآنية تذكر المصلين والزائرين بعظمة الخالق وعظمة الدين الإسلامي وثراء الهندسة المعمارية للحضارة العربية الإسلامية.

ويعتبر مسجد باريس الكبير منارة دينية وعلمية وثقافية بما يضمه من مؤسسات تربوية وثقافية وجمعيات إنسانية تنضوي تحت إدارته، حيث تنشط ضمن المسجد أكثر من 70 جمعية محلية وإقليمية، بالإضافة إلى 166 إماما خطيبا يساهمون في نشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة وقيمه العميقة، كما يضم المسجد أيضا مكتبة ومطعما وقاعة شاي وحماما تقليديا.

كذلك من الأدوار المهمة التي يقوم بها المسجد التعريف بتاريخ الحضارة العربية الإسلامية وعمقها وثقافتها، وفي هذا الإطار قام العميد الحالي شمس الدين حفيظ منذ تعيينه على رأس هذه المؤسسة في عام 2020، بتأسيس المجلس الأعلى للعلوم والثقافة في المسجد الكبير، كما قام بتأسيس ملتقى للحوار تحت عنوان "أربعاء المعرفة" يقدم فيه شهريا كل أول أربعاء لقاء مهما مع أحد المفكرين، أو الأساتذة، أو المؤرخين، أو رجال الدين أو الكتاب أو العلماء الكبار.

ولذلك فهذا المعلم التاريخي العريق ليس مكانا للتعبد والصلاة فقط، وإنما هو مؤسسة دينية وثقافية ومنارة علمية شاملة تحاول تسليط الضوء على الدين الإسلامي الحنيف وتعريف الفرنسيين والأوروبيين بخصائصه ومبادئه ورسالته النبيلة.

أما مسجد إيفري كوركورون الذي شيد عام 1984 على مساحة 7000 متر مربع، فهو من أكبر مساجد فرنسا وأعرقها، وأيضا من أكبر مساجد أوروبا بعد المسجد الكبير في روما ومسجد بيت الفتوح في لندن.

ويقع المسجد في مدينة إيفري ضمن بلدية كوركورون من إقليم إيسون الذي يبعد 26 كيلومترا عن العاصمة باريس والتابع لمنطقة "إيل دو فرانس"، ويتميز المسجد الذي صممه المهندس المعروف هنري بودو بطرازه الأندلسي العربي الإسلامي، وتظهر نقوش المحراب والأعمدة والقبة التي استعمل فيها الخط العربي أصالة الفن والمنمنمات العربية الإسلامية الضاربة في التاريخ، أما مئذنته التي يبلغ طولها 25 مترا فتذكر الناظرين بالمأذنة المغاربية المتأثرة بالطراز الأندلسي.

ويحتوي مسجد إيفري كوركورون، الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف المغربية، على قاعة صلاة تتسع لـ 5 آلاف شخص، ومركز ثقافي متعدد الاختصاصات، ومركز تعليم الإسلام واللغة العربية، و9 قاعات للدراسة، تستوعب كل واحدة 25 شخصا.


الكلمات المفتاحية

عام, ابحاث ودراسات
X
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. تعرف على المزيد حول كيفية استخدامها ، أو قم بتحرير خيارات ملفات تعريف الارتباط الخاصة بك
موافق